سورة العنكبوت - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} خوفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة، أي: كل واحد ميت أينما كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفا من الموت، {ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} فنجزيكم بأعمالكم، وقرأ أبو بكر: {يرجعون} بالياء.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ} قرأ حمزة، والكسائي: بالثاء ساكنة من غير همز، يقال: ثوى الرجل إذا أقام، وأثويته: إذا أنزلته منزلا يقيم فيه. وقرأ الآخرون بالباء وفتحها وتشديد الواو وهمزة بعدها، أي: لننزلنهم، {مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا} علالي، {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
{الَّذِينَ صَبَرُوا} على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم، {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} يعتمدون.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون: هاجروا إلى المدينة، فقالوا: كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال، فمن يطعمنا بها ويسقينا؟ فأنزل الله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ} ذات حاجة إلى غذاء، {لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} أي: لا ترفع رزقها معها ولا تدخر شيئا لغد مثل البهائم والطير، {اللَّه، يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} حيث كنتم، {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} السميع لأقوالكم: لا نجد ما ننفق بالمدينة، العليم بما في قلوبكم. وقال سفيان عن علي بن الأقمر: وكأين من دابة لا تحمل رزقها، قال: لا تدخر شيئا لغد. قال سفيان: ليس شيء من خلق الله يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، أخبرني أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي، أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن الدقاق، أخبرنا محمد بن عبد العزيز، أخبرنا إسماعيل بن زرارة الرقي، أخبرنا أبو العطوف الجراح بن منهال، عن الزهري، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر قال: دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل، فقال: كل يا ابن عمر، قلت: لا أشتهيها يا رسول الله، قال: لكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده، فقلت إنا لله، الله المستعان، قال: يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة، ولكن أجوع يوما وأشبع يوما فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة ويضعف اليقين، فنزلت: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا} الآية.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو محمد الحسين بن أحمد المخلدي، أخبرنا أبو العباس السراج، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان لا يدخر شيئا لغد.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا». أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه، أخبرنا أبو نصر بن حمدويه المطوعي، أخبرنا أبو الموجه محمد بن عمرو، أخبرنا عبدان، عن أبي حمزة، عن إسماعيل هو ابن أبي خالد، عن رجلين أحدهما زبيد اليامي، عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» وقال هشيم عن إسماعيل عن زبيد عمن أخبره عن ابن مسعود.


قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ} يعني كفار مكة، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ}.
{اللَّه، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} وقيل: قل الحمد لله على إقراراهم لزوم الحجة عليهم، {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} ينكرون التوحيد مع إقرارهم بأنه الخالق لهذه الأشياء.


قوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} اللهو هو: الاستمتاع بلذات الدنيا، واللعب: العبث، سميت بهما لأنها فانية. {وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} أي: الحياة الدائمة الباقية، و{الحيوان}: بمعنى الحياة، أي: فيها الحياة الدائمة، {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فناء الدنيا وبقاء الآخرة.
قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} وخافوا الغرق، {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وتركوا الأصنام، {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} هذا إخبار عن عنادهم وأنهم عند الشدائد يقرون أن القادر على كشفها هو الله عز وجل وحده، فإذا زالت عادوا إلى كفرهم. قال عكرمة: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت بهم الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب يا رب.
{لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ} هذا لام الأمر، ومعناه التهديد والوعيد، كقوله: {اعملوا ما شئتم} [فصلت- 40]، أي: ليجحدوا نعمة الله في إنجائه إياهم، {وَلِيَتَمتّعُوا} قرأ حمزة، والكسائي: ساكنة اللام، وقرأ الباقون بكسرها نسقا على قوله: {ليكفروا}، {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} وقيل: من كسر اللام جعلها لام كي وكذلك في ليكفروا، والمعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا الكفر والتمتع بما يتمتعون به في العالجة من غير نصيب في الآخرة.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} يعني العرب، يسبي بعضهم بعضا، وأهل مكة آمنون، {أَفَبِالْبَاطِلِ} بالأصنام والشيطان، {يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ} بمحمد والإسلام، {يَكْفُرُون}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8